الخطاب البصري وتلقيه:

1) الخطاب البصري وتلقيه:

يكتسي التواصل أهمية بالغة في حياتنا اليومية، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يعيش في مجموعات منظمة، وهذا الإجتماع يفرض عليه التفاعل مع الآخرين في مختلف الأنشطة، ولا يتم هذا التفاعل والتحاور بطبيعة الحال إلا إذا كان مشتركا بين المرسل والمرسل إليه، أو المتكلم والسامع والكاتب والقارئ والعازف والمستمع.
وفي هذا الإطار شكل تاريخ التواصل، بكل فصوله المعرفية، قاعدة رئيسة من قواعد التلقي، التي تعد اجتهادات في استراتيجيات القراءة، ذلك أن التواصل الإنساني برمته قائم على أساس التلقي بمختلف عناصره التواصلية.
ولعل ما تتميز به اللغة من قوة في التواصل إذ تعتبر أهم وسيلة لإقامة هذا التواصل، وذلك لدورها التفاعلي الذي تنجزه عبر فضاءاتها وقواتها اللسانية والدلالية، ''فقلما ارتفعت عقيرة السميائيين للقول بأن لا تفاضل بين الأنساق الدالة، وأن النسق اللساني لا امتياز له على بقية الأنساق الأخرى، بل خلافا لذلك زعم البعض من السميائيين ومنهم بارث وكريستيفا بأنه من الصعوبة بمكان قيام أي مشروع سميائي بمعزل عن الأنموذج اللساني الذي يعد علما قائدا للسميائيات، وقد خالفوا بذلك دوسوسير شيخ اللسانيات وإمام السميائيات في العصر الحديث''.1
وكما نعلم ويعلم كل من يدرّس ويدرس في هذا المجال ليدرك أن السميولوجيا هي: ''العلم العام لكل أنساق التواصل اللسانية وغير اللسانية''2 فإن مفهوم التواصل سيتغير وينحى منحى آخر إلى أنساق تواصلية أخرى، فلن تقتصر وظيفته على اللغة فقط، وإنما على كل الأنساق التي تلعب دور الوسيط بين المرسل والمرسل إليه، بما في ذلك كل ما يندرج ضمن الخطاب البصري بجميع أنواعه وتشكلاته، فهو لا يعتبر خطابا تلقائيا تم إنتاجه بالصدفة، وإنما له خلفية قصدية تدفعه لممارسة سلوك تواصلي، وتتغيـى منه إنتاج معنى ما. لكن بما أن الخطاب البصري خطاب حديث العهد، فإنه يعيش عددا من الإشكالات المعرفية والثقافية التي لا تساهم في بناء فهم سليم لطبيعة الخطاب البصري سواء بالنسبة للشخص المرسل لهذا الخطاب في صورة إشهارية ما أو بالنسبة لمشاهده وقارئه قراءة سميائية..
هذا ما جعلنا نحيط بعض الإهتمام ونسعى أن يكون في محله، بموضوع قراءة الصورة البصرية الثابتة، كمبادرة إيجابية في خلق ثقافة بصرية في هذا الميدان السميائي المتألق.
السميائيات البصرية لازالت تعيش في فترتها الجنينية، فترة يصعب على دارسها الإلمام والإحاطة بكل جوانبها، فهي لازالت –كما قلنا- في محاولاتها الأولى الضئيلة، لذلك نجد مسألة تلقي الخطاب البصري يطغى عليها طابعين:
أ‌- طابع أيديولوجي:
يلاحظ أن أغلب القراءات التي تأول بها الصورة الإشهارية هي قراءات تستند بالدرجة الأولى إلى مرجعية المتلقي/المشاهد من منظورها الذاتي والأيديولوجي، إذ لا توجد أسس ثابتة أو مناهج علمية خاصة محددة في التحليل لصورة ما. فالمشاهد عندما يشاهد صورة أو فيلم معروض، فإن الأحكام والتقييمات التي يقوم بها قبل أن يتم ربط أدوار العناصر المشكلة لها وعلاقة أي لقطة مع سابقتها وما بعدها بطريقة علمية وشاملة، هي أحكام وتقييمات تتولد من ذاتيته وأيديولوجيته المنبثقة من التجارب التي يعيشها في حياته اليومية، فيسقط بذلك قيم الواقع والأخلاق والدين وما هو سياسي على فهم الصورة.
وبالتالي نلمس مجالا شاسعا، بين ما يود المرسل إفهامه وإيصاله من قيم ومواقف، وبين ما يتم استوعابه وإدراكه من طرف المتلقي، فكما يقول د.عبد الله بريمي من أن الصورة الإشهارية هي: ''تحيين وتكثيف دلالي لمجموعة من القيم لذا وجب النظر إليها بوصفها تمظهرا صريحا لإيديولوجية معينة، إنها تشكيل وتشييد معرفي وإيديولوجي''.3 إلا أن الخطير في الأمر هو عدم الإستناد إلى دراسة علمية وشاملة.
إن أي تلقي للخطاب البصري يغيب فيه استحضار المناهج الخاصة في تحليله ودراسته، وأي قراءة غير متأنية وغير شاملة وغير متفحصة، فإن مآلها سيكون مآل القراءات الساذجة والذاتية والأيديولوجية.
ب‌- طابع أدبي:
أمام النقص الحاصل في مناهج تحليل الخطاب البصري، سعى البعض إلى التعامل مع الصورة وفق نماذج تحليل النصوص الأدبية، لقد بدا لنا أن ضعف الإنتاجات النقدية في مجال تحليل وتلقي الصورة، هو نتيجة غياب منهج سميائي علمي واضح، هذا الغياب هو أيضا راجع إلى تعقد تركيبة البنى الداخلية والتواصلية للنصوص البصرية، فبدأت تطرح تساؤلات وإشكالات بمدى إمكانية دراسة الصورة دراسة أدبية بالإعتماد على مناهجه وآلياته كأي خطاب أدبي، وهل ترقى الصورة بالفعل إلى نص أدبي تستدعي الدراسة والإهتمام؟ وهل يمكن إدراجها كجنس أدبي مستقل بموضوعه، ومتميزة بمكوناتها وآليات اشتغالها؟
وفي هذا الصدد، نرى أن الدارس الأدبي عبد الفتاح كيليطو4 قد عالج قضية الإعتراف بالنص الأدبي وشروطه من داخل ثقافة ما، فاعتبر الإشهار من بين هذه الشروط، فبذلك يمكن القول بأن الصورة الإشهارية لها مكان في التحليل الأدبي شأنها في ذلك شأن الخطاب اللغوي. فهي وسيط تواصلي تمرر بواسطته عددا من المعاني والدلالات والقيم، مما يلزم على المتلقي امتلاك قدرات منهجية ومعرفية في سبيل إدراك آلياتها ودلالاتها السميائية والتواصلية.
وعليه، فإننا بحاجة إلى توفير ثقافة بصرية متكاملة لدى المتلقي، تمكنه من قراءة وتحليل الوصلات الإشهارية واللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية والملصقات…وغيرها.
ومن هنا نرى أن الجامعة فضاء كفيل بصقل معارف المتلقين وتطعيمهم بثقافة بصرية، من خلال إدماجها في البرامج والمقررات وضمن الأهداف المسطرة، وذلك بتدريس الصورة، ليس باعتبارها وسيلة بيداغوجية بسيطة لإيصال المعلومة فحسب، وإنما لتخصيص مواد خاصة بها تدرسها. وترجع ضرورة وأهمية هذا المطلب إلى ازدياد ''الأمية الأيقونية والسمعية البصرية تفاقما بكل أوساط ومستويات المجتمع، فكثيرون هم الذين لا يفقهون تفكيك رموز الصور وغوص أعماقها الدلالية والجمالية والتواصلية والتقنية."5
وقصد تجنب مساوئ التلقي السلبي للصورة، ينبغي على المنكبين في هذا الموضوع الإهتمام به أكثر خاصة في عالمنا العربي سببا للنقص المعرفي الذي يعيشه، إضافة إلى ضرورة العمل على تكوين الطالب بتزويده ثقافة بصرية، تساعده على تعزيز ردوده الانتقائية والدفاعية.

الهوامش:

1 - أحمد (يوسف): "السيميائيات والتواصل"، مجلة علامات، ع: 24/ 2005، ص: 38.
2– نفس المرجع، ص: 46.
3- عبد الله (بريمي): "الصورة الإشهارية الإحتماء بفنية الصورة لإثارة نفعية المنتوج، قراءة في ملصق إشهاري". مجلة الرافد. ع: 135 دائرة الثقافة والإعلام. الشارقة، الإمارات العربية المتحدة. ص: 52/53.
4- عبد الفتاح (كيليطو): "الأدب والغرابة"، دار الطليعة، بيروت.
5 - يوسف (أيت همو) : "السينما والتربية أية علاقة"، مجلة فكر ونقد، السنة الثامنة، ع: 73/ نوفمبر 2005، ص : 40.

مقتطف من بحث لنيل شهادة الإجازة- تخصص -لسانيات-. ''الخطاب الإشهاري مفهومه واليات اشتغاله''.
الطالب: محمد طاهيري. تحت إشراف: د. عبد الله بريمي.
-غير منشور-