علاقات المدرس بالتلاميذ:
تتعدد أشكال العلاقات التواصلية بين المدرس والتلاميذ داخل الفصل الدراسي، بتعدد الميكانيزمات الداخلية المعتمدة، والمتمثلة في اللغة المنطوقة، مصحوبة بالإشارات والإيماءات والمظهر.
وتعرف العلاقة بين المدس والمتعلم بعدة أسماء منها: التواصل البيداغوجي والتواصل التربوي والتواصل الديداكتيكي. وإذا كان بعضها أوسع من دلالة الآخر، فإن جميعها تتطلب ثلاث عناصر رئيسية هي المدرس والتلاميذ والمادة الدراسية، تدخل في تفاعل دينامي تؤطرها مجموعة من المعطيات؛ طوبولوجية القسم، ومتغيرات التواصل والنماذج المستخدمة داخل الفصل الدراسي.
إن العلاقات بين الأفراد والجماعات لا يمكن إقامتها بدون تواصل؛ ذلك "أن الفصل بين التواصل والعلاقات الإنسانية هو فصل تعسفي واصطناعي، كما أن العلاقة البيداغوجية لا تصير علاقة تربوية إلا بجعل كل الأطراف منخرطين في لقاء واتصال يكتشف فيه المتواصلون بعضهم البعض الآخر وتنشأ فيه ظاهرة إنسانية يحس فيها الصغير بأنه يتجه نحو الكبير"(1).
وتقوم هذه العلاقات إما على المساواة وإما على التمييز والمفاضلة؛ ففي الحالة الأولى تكون العلاقة تماثلية (Relation symétrique)، ولا سبيل للحديث عن تفوق الأستاذ على التلميذ أو تفوق التلميذ على تلميذ آخر، أما في الحالة الثانية، فنجد الأطراف تتكامل بينها بهدف تشكيل صورة (Gestalt) من نوع مخالف، إنه تفاعل تكاملي، يجسد وضعيتين مختلفتين: وضعية أحد الشركاء في درجة متفوقة، ووضعية الآخر في درجة ثانية. وإضافة إلى النوعين المذكورين يقترح البعض نوعا ثالثا هو العلاقة الميتا تكاملية (Méta complémentaire)، وهي علاقة يضطر فيها أحد الأطراف إلى التبعية للطرف الآخر.
هذه إذن، بعض أنواع العلاقات أو ما يمكن تسميتها باختلاف العلاقات، أما بالنسبة إلى علاقة الاختلاف، فهي علاقة مبنية على الحوار والنقاش والتفاوض يعطي من خلالها كل تلميذ رأيه أو بعض ما يختلج في داخله بحرية كاملة لا تتجاوز قوانين التعليم والتعلم، بقدر ما تكون صراع ودي يؤججه الحب والثقة والصراحة بين المدرس الذي عليه أن يأخذ بعين الاعتبار المستوى الفكري والمادي... للمتعلم أثناء القيام بتأليف رموز الإرسالية، وبين التلميذ الذي يقوم بفعل التلقي تبعا لمؤهلاته وإمكانياته اللسانية من جهة، وطوبولوجية الفضاء الذي تقوم فيه هذه العملية من جهة ثانية، إضافة إلى متغيرات المتلقي أثناء فعل التلقي التربوي.
طوبولوجية الفضاء:
تلعب البنية المادية للقسم دورا أساسيا في عملية التواصل، ذلك أن المناخ السائد وتموقعات التلاميذ، والمظهر البنائي للقاعة، كلها عوامل تؤثر سلبا أو إيجابا على العلاقة القائمة بين المدرس وتلاميذه، والتي تتوخى إكساب التلميذ قدرات وكفايات تمكنه من تحقيق ذاته، والانخراط في الجماعة، والنجاح في الامتحان، الذي هو الهدف الأساس(2).
وبهذا الشكل تصبح جماعة القسم أرضية خصبة لتبادل الأفكار والمعلومات، وكسب معلومات مختلفة المشارب، إنها جماعة تهدف إلى تحقيق أغراض تربوية(3)، وذلك من خلال تجاوز الإدراك الذاتي للعلاقات التواصلية وزرع التفاعلات داخل هذا الفضاء.
ولعل هذه التفاعلات ينبغي النظر إليها كأنها علاقات متعددة، وليس كأنها أفعال وردود أفعال منعزلة، فالتلاميذ مثلا يعتبرون أن الأستاذ يتوجه إليهم جميعا حتى لو كان يخاطب أحدهم، وبالتالي فإن إدراك الفرد لذاته ووعيه لقدراته مرتبطان بإدراكه للآخرين.
-1- التواصل التربوي؛ مدخل لجودة التربية والتعليم: العربي اسليماني، ص/22.
-2- التواصل التربوي: (2005م)، مرجع سابق، ص/52.
-3- االمصطفى الشطبي: العمل بتقنية المجموعات الصغرى في القسم، مجلة علوم التربية، العدد 2/2001م، ص/75.