تُعد نظرية عالم علم النفس السويسري " جان بياجيه " للنمو المعرفي القائمة على المنهج الوصفي التحليلي في تناول النمو العقلي ؛ مدخلاً يتوسط المنحى السيكومتري والمنحى المعرفي في تناول النشاط العقلي المعرفي وقد بناها من خلال ملاحظة أطفاله الثلاثة في نموهم .
يفترض " بياجيه " في نظريته أن أي فرد يمكن أن يتعلم أي موضوع بشرط أن يناسب مرحلة النمو العقلي للفرد . وأن أي فرد يولد بقدر ضئيل من الانعكاسات العضوية والقدرات الكامنة في صورة استراتيجيات وهي بذلك تعد عنصر هام في البناء المعرفي للمتعلم . والإستراتيجية – من وجهة نظر بياجيه – هي الطريقة التي يستطيع الطفل من خلالها أن يتعامل مع المتغيرات البيئية خلال مراحل نموه من أجل حدوث تفاعلات جديدة بينه وبين البيئة وتتغير هذه الاستراتيجيات تبعاً لنضج الطفل وما يكتسبه من خبرات.
لقد اكتشف بياجيه أن الأطفال في نموهم العقلي يمرون بمراحل محددة، يتصف سلوك الطفل وتفكيره في كل منها بخصائص معينة ، ويشير بياجيه إلى أن مراحل النمو العقلي تتصف بالثبات في نظام تتابعها لدى كل طفل وفي كل ثقافة، ولا يعني هذا ثبات الحدود الزمنية، بل تختلف الحدود الزمنية من طفل لآخر في ذات الثقافة الواحدة.
مراحل النمو العقلي
قسم بياجيه النمو العقلي للطفل إلى أربع مراحل رئيسية وفق فئات عمرية:
1 – مرحلة التفكير الحس – حركي Sensory Motor Stage :
وتمتد من الميلاد حتى نهاية السنة الثانية ، وفيها يمتلك الوليد مجموعة من أساليب السلوك الفطرية الانعكاسية أساسياً ، مثل المص والقبض وغيرها . وفي أثناء التفاعل مع البيئة ينمي الطفل أنماطاً سلوكية معينة ؛ إذ يكتسب مهارات وتوافقات حسية بسيطة وكذلك يكتسب القدرة على تحقيق التناسق بين المعلومات الصادرة عن أعضائه الحسية المختلفة .
وأهم ما يميز سلوك الطفل في هذه الفترة أنه يواجه الأشياء بحركات فيزيقية عشوائية دون تفكير ووجود الشيء بالنسبة للطفل مرهون بإدراكه له.
2 – مرحلة ما قبل العمليات (التفكير الرمزي) Preoperational Stage :
تبدأ هذه المرحلة في النصف الثاني من السنة الثانية من عمر الطفل وحتى سن السابعة تقريباً ، وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل في تعلم اللغة والتمثيل الرمزي للأشياء وتكوين الأفكار البسيطة والصور الذهنية ويتحول تفكير الطفل تدريجياً من صورته الحركية إلى صورة تفكير رمزي .
3 – مرحلة العمليات العيانية Concert Operational Stage :
تبدأ هذه المرحلة من سن السابعة حتى سن الحادية عشرة تقريباً أي تستغرق المرحلة الابتدائية.
وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل يفكر تفكيراً شبيهاً بتفكير الراشد ؛ فعن طريق التفاعل الاجتماعي يبدأ في التحرر من التمركز حول الذات ويأخذ في اعتباره وجهة نظر الآخرين .
وتظهر في تفكير الطفل القدرة على المقلوبية Reversibility أي السير بالعكس حيث يمكنه أن يرتب بالعكس ، وتظهر أيضاً فكرة الثبات للوزن والعدد والقياس ، ومع ذلك فتفكير الطفل في هذه المرحلة تفكير عياني محسوس Concert وغير مجرد .
4 – مرحلة العمليات الشكلية (التفكير المجرد) Formal Operational Stage
تمتد هذه المرحلة فيما بين الحادية عشرة والخامسة عشرة من العمر . وفيها يدخل الطفل مرحلة المراهقة والنضج ، وفي هذه المرحلة تنمو قدرة الطفل على التفكير المجرد فيستطيع أن يعالج القضايا بعزل المتغيرات وتثبيت بعضها للتحقق من عمل البعض الآخر .
وهكذا عبر هذه المراحل ينتقل الوليد الذي جاء إلى هذا العالم وليس لديه فكرة عنه من كائن بيولوجي فحسب إلى راشد يواجه العالم ويتفاعل معه ويفكر في مشكلات هذا العالم تفكيراً منطقياً .
تنظيــــم المحتـــــوى
تهتم نظرية بياجيه بالتنظيم الرأسي للمنهج حيث أن مراحل النمو عند بياجيه تمتد من الميلاد وحتى سن الخامسة عشر ، حيث يقترح بياجيه تنظيم محتوى المنهج للتلاميذ في كل مرحلة من مراحل النمو وفق خصائص النمو العقلي والمعرفي لهذه المرحلة .
فمثلاً التلاميذ في المرحلة الابتدائية (الصف الرابع والخامس) يقعون في مرحلة العمليات العيانية ولذلك يبنى المنهج وينظم في ضوء تفكير الطفل في هذه المرحلة وخاصة في المحتوى والتدريبات والتمارين .
عملية التدريس
تقترح نظرية بياجيه مراعاة النمو العقلي للتلميذ وخصائصه النفسية وخاصة مفاهيم التمثيل والمواءمة والاستدخال عند عرض أي مادة جديدة
حيث يقسم بياجيه عملية التعلم إلى :
تمثيل مواءمة استدخال (للمعرفة الجديدة في البناء المعرفي للمتعلم)
وأيضاً تعطي نظرية بياجيه دوراً هاماً للإرشاد والتوجيه والتأكيد على البناء المعرفي .
مأخوذ عن مقرر تدريس الرياضيات. من إعداد الأستاذ المنسق هشام بركات
جامعة الملك سعود
كلية المعلمين
قسم المناهج و طرق التدريس