تعا ملنا مع دوى الإحتياجات الخاصة
من منا لا يرى معاقا ولا يردد كلمة (الله يستر)، أو كلمة (مسكين)... تعبيرات و إيماءات كلها تنطق بما نشعره اتجاه هذه الفئة التي حرمت شيئا ربما يبدو للعديد انه شيء عادي.. قد يكون بالفعل شيئا عاديا ولكن لا نعرف قيمته حتى نفقده (لا قدر الله)، هل فكرنا يوما في نفسية هذا المعاق.
وهل نظراتنا أو إيماءاتنا أو كلماتنا تخلف أثرا سلبيا على نفسيته، وهل شفقتنا لصالحه، أم تدمره وتؤثر على معنوياته؟... كيف نتعامل معه؟ وما هو دور الأسرة والمجتمع في هذا الأمر؟ وهل الأسر عندنا تعد وجود معاق مشكلة وعائقا أمامها؟ الأسئلة عديدة وكثيرة، وخلال هذا الروبوبتاج سنحاول أن نجيب عليها:
(هذا ما أعطى الله، والحمد لله على أي حال)، كان هذا كلام السيدة زهرة، زوجة السيد علي الذي يعاني من إعاقة في رجليه، هو لم يولد هكذا، ولكن حدث مرة بينما كان يمارس بعض التمارين الرياضية، تشنجت جميع عضلاته، ونتيجة لمرض في العمود الفقري، اضطر علي الرياضي النشيط الكثير الحركة والمشي والجري، أن يتحول الى رجل عاجز لا يتحرك الا بعكازين، لكن ارادة علي كانت قوية وصمم على الاستمرار بالرغم من الاعاقة، أما زوجته وام اولاده الثلاث، فتقول: "انا راضية بكل ما حصل، ودائما اقول اللهم يبقى حيا نراه ونسمعه ويرانا، لان ما حدث له كان من الممكن ان يضع حدا لحياته، ألفنا الوضع واستسلمنا له، في البداية قمنا بمحاولات مسترسلة قصد العلاج، لكن الآن تقبلنا الوضع، ولم نعد نفكر في أي شيء سوى سلامته وتغلبه على الإعاقة".
أما السيدة خدوج، والدة مريم الطفلة المنغولية، ربما تختلف نظرتها قليلا، تحدثت لي بتدمر وبقلق شديد، ذلك ان وجود معاق في الاسرة يستوجب جهدا نفسيا وعضليا والاهم جهدا ماليا، الشيء الذي يفتقد في العديد من البيوت، لذلك لا تتردد السيدة خدوج كما اخبرتني عن طلب المعونة من أي كان، دفعت طلبا لتحصل على رخصة طاكسي (كريمة)، لكنها ما تزال تنتظر.
فالسيدة خدوج لا تختلف عن العديد ممن يتاجرون بالمعاقين، فنراهم في الطرقات والازقة والشوارع وعلى ابواب المساجد خصوصا ايام الجمعة، يستعطفون المارة جاعلين من اعاقتهم او اعاقة ابنائهم صناعة وسهما لاصطياد عطف الآخرين.
كان لابد أن ابتعد قليلا لارتد سريعا الى جانب آخر من القصة، جانب المعاقين الذين حققوا شيئا في هذه الحياة، شيء ربما يستحيل على آخرين متمتعين بصحة جيدة، وكان لقائي مع الدكتور محمد فهمي طبيب بقسم مستعجلات سيدي عثمان، مقعد لكنه دكتور، استطاع كما عبر لي، أن يعوض النقص الذي كان يشعر به بسهر الليالي والكد والجد وعدم اضاعة الوقت، ولم يفكر باي شيء، بل حاول دائما وبكل ما اوتي من قوة أن يصبح انسانا فاعلا في مجتمعه، يخدم بلده، ويقدم خدمات يعجز عنها الكثير، قال لي: " دائما كنت أقول مع نفسي، أنا مقعد وهذا واقع، لن يتغير الوضع، كنت اعلم جيدا انه لن أشفى أبدا ولن امشي على رجلي كباقي البشر، رغم المحاولات العديدة لأسرتي بمحاولة زرع الامل في نفسي، لكني كنت واقعيا واتفهم الواقع بشكل منطقي، قررت بدل ان اقف وابكي على أطلال عجزي عن المشي والاستسلام للتأثر بنظرات الغير، ان ادرس واجد واضاعف مجهودي، ومنذ ان دخلت المدرسة اول مرة، قررت وصممت ان اصبح طبيبا، فاصبحت والحمد لله، وانا سعيد جدا ولا ينقصني شيء، لي بيت واولاد، ومركز اجتماعي محترم ولا احس ابدا بأي نقص".
ويذكر الدكتور محمد أن الفضل الكبير في نجاحه يعود لأسرته التي ضحت بالغالي والنفيس، بالوقت وبالمادة وبالمعاملة الجيدة، حتى أصبح على ماهو عليه الآن، وهنا اشار محمد الى نقطة بالغة الاهمية، هي ان المجتمع يتقبل الطفل المعاق متى تقبلته اسرته أولا، وبالتالي يتعامل معه بكل لطف وعطاء بناء على تقبل الاسرة له، لذلك على الام بالخصوص ان تفهم وتعي اولا نوعية اعاقة ابنها حتى تتعامل معه كما ينبغي ، وعلى الاسر المغربية أن تغير نظرتها لاطفالها المعاقين وتحرص على توعية أنفسهم من خلال ايجاد وخلق اساليب المعاملة معهم ومع اعاقتهم حتى تخرج أشخاصا واعين ينفعون بلدهم ومجتمعهم واسرهم وخصوصا انفسهم لأن المشكلة تتفاقم عندما تحاول بعض الاسر عزل الابن المعاق عن المجتمع كأفضل خيار تجنبا لملاحظات وكلمات الآخرين... والأدهى من ذلك كله، هو محاولة عزله عن الأسرة وهنا يكمن الخلل الحقيقي، ومرد ذلك هو اعتقادهم أن في وجوده تقليلاً من قيمة العائلة، أو أنه سيكون سبباً في ابتعاد المجتمع عنهم وعدم الزواج أو التعامل معهم.
لذلك نهمس في أذن كل أم لمعاق ان تعي تماما نوع اعاقة ابنها، وتعلم جيدا كيف تتعامل معه ولا تعزله عن المجتمع بل تسعى جاهدة لدمجه فيه وفي المدرسة لان الانشطة التربوية التي سيمارسها هناك، اكيد أن فيها ما يؤهله تربويا واجتماعيا لأداء دوره في الحياة.
__________________
إنى وإن كنت الأخيرزمانه
لات بما لم تأت به الأوائل
ولايهم الجميع