لا يحظى التعليم القروي في المغرب بالتطوير اللازم السائد في نظيره الحضري. فثمة صعوبات تتراوح بين نقص المدارس والطرق وبين النسبة المرتفعة للمغادرة بسبب مطالب الحياة الفلاحية. وغالبا ما يتم جمع تلاميذ من مستويات متعددة في حجرة واحدة للدراسة وهناك شبه غياب كامل للتعليم ما قبل سن دخول المدرسة في القرى.
ولكن خلال السنوات القليلة الماضية حاولت الجهات الحكومية المعنية توسيع نطاق برامج التعليم لتشمل أبعد المناطق في البلاد. فعملت على تعيين العديد من الأساتذة حديثي العهد بالتخرج إلى المناطق القروية لبدء أول مراحل حياتهم التعليمية. وزارة التربية الوطنية ذكرت أن ثمة نحو 93,788 معلما يعملون في القرى من أصل عدد إجمالي يبلغ 205,787.
مراسلة مغاربية قامت بزيارة مدرسة في اولاد عمران التي تبعد بـ100 كلم عن مدينة الجديدة الساحلية. فالمدرسة عبارة عن ثلاث حجرات محاطة بسور من الاسمنت المسلح وسط سهل عريض من الأراضي الفلاحية.
في الساعة الثامنة صباحا، يقوم المدرس كريم الكتاوي بإرشاد حوالي أربعين تلميذا إلى فصل الدرس. هو شاب يبلغ 32 عاما وقضى 11 عاما يدرس في المناطق القروية. منذ كان عمره 21 عاما وهو يدرس بمفرده في حجرة معزولة وسط غابات أشجار أرغان في منطقة الصويرة الجبلية الوعرة.
الكتاوي سعيد الآن لأن عملية الانتقال مكنّته من العمل هنا بعد خمس سنوات حيث أصبح يرى على الأقل جيرانا يتحدث معهم. وقال موضحا "عشت دائما في المدينة. التعليم اختيار وأنا لست نادما على قراري رغم أن بعض المدرسين يشعرون أن الخيارات انقضت بمهنتهم هذه. إنه أمر مطلوب أن يُتاح التعليم لجميع المغاربة أينما كانوا. وإذا لم يتحمل الشباب هذه المهمة طوعا فسيبقى أهالي القرى مهمشين".
التلاميذ في حجرته يبدون أنهم تعلموا معنى الالتزام الصارم. إذ يفتحون محفظاتهم بعناية لإخراج الكتب المدرسية. هؤلاء الطلبة الذين يرتدون ملابس رثة والأحذية البلاستيكية لدى غالبيتهم ألف أمنية وأمنية مستقبلية.
كنزة التي تكاد أن بلغت العاشرة قالت إنها تأمل في أن تصبح طبيبة لكي تتمكن من مساعدة الناس القاطنين في قريتها. ففي الوقت الراهن، عليهم السفر لعشرات الكيلومترات لأقرب العيادات الطبية. وقالت وعيناها مليئتان بالتحدي "أعرف أنني قادرة على تحقيق ذلك، انا مستعدة للعمل. ومعلمي قال لي ذلك". الصغير علي أقل طموحا من زميلته. فهو لم يحدد مهنته المستقبلية بعد ولكنه يريد أن يخدم قريته بمتابعة دراسته. الكتاوي فخور بتلاميذه وقال إن طموحاتهم الكامنة تتمثل في مواصلة تعليمهم رغم العراقيل.
غالبية التلاميذ يساعدون آباءهم في البيت. فالبنات مسؤولات عن جمع الحطب والبحث عن الماء فيما الأولاد يساعدون في رعي المواشي ومساعدة الرجال في الحقول. بعضهم يتغيب أيام "السوق الأسبوعي" لكي يعتنوا ببيع الفواكه والخضر. غالبية الأطفال يسافرون لكيلومترات عديدة سيرا على الأقدام للوصول إلى المدرسة. المدرس الشاب يعرف كل واحد منهم. ولتسهيل العملية عليهم يسمح لهم بإنجاز الواجبات المدرسية في حجرة الدرس. وقال موضحا "هؤلاء الصغار لا يجدون لحظة لذواتهم. تعلمت على مر السنين أنه من المستحيل أن يدرسوا في البيت. فلن يكون لهم الوقت لمراجعة الدروس المتلقاة".
الكتاوي يعترف أن مهمة المعلمين في المناطق القروية ليست بالسهلة بتاتا. لما عمل في الصويرة مثلا لم يكن التلاميذ يتحدثون ولو كلمة واحدة باللغة العربية. الأمازيغية كانت لغتهم الوحيدة. والتواصل معهم كان صعبا للغاية. وبما أنه كان حديث التخرج كمعلم واجه العديد من التحديات لتدريس تلاميذه مبادئ القراءة والكتابة. وقال لمغاربية "كنت أرسم أشكالا هندسية واستعنت بالحركات الجسدية والإشارات ...وتمكنت من التواصل معهم رغم أنني لم أتوقع أن أجد نفسي في مثل هذا الوضع".ولسنين طويلة، كان يقطن في حجرة الدرس التي يدرس بها لانعدام أي خيار ثان أمامه. فكل القرى كانت بعيدة من حجرة الدرس بل لم يكن لأحد غرفة للإيجار.
وعلى غرار الكتاوي، أحلام قيطسي معلمة أخرى في القرى. وقالت إن المعلمين مجبرون على تكييف مناهج التدريس مع واقع الحياة القروية. وتعتقد أن وزارة التعليم مطالبة بالتفكير في برامج التعليم الخاصة بالمناطق القروية. وأوضحت "مثلا درس القراءة يتحدث عن المدينة والشواطئ وحدائق الحيوانات وغيرها لكن العديد من التلاميذ لا يرون مناسبتها للسياق. بالأحرى لهم أن يتعلموا عن الحقول والحصاد وغيرها. المعلم يحاول إيجاد سبل سهلة لتوضيح الدرس لهم".
قيطسي التي تقطن على بعد بضعة كيلومترات من المدرسة تأمل بأن يتم نقلها يوما ما إلى المدينة لكي تتمكن من إنجاز مهنتها بطريقة مختلفة. وقالت "بالطبع يجب أن يعمم التعليم بشكل أكبر. ولكن يجب تطوير البنيات الأساسية في البادية".
هذه المدرّسة الشابة التي ترعرت في المدينة لم تتمكن من التكيف مع واقع مهنتها رغم قضائها تسع سنوات في المهنة. ومع ذلك أنجزت الكثير في أدائها بحيث يُعتبر تلاميذها الألمع في المنطقة.
سرحان جمال وهو مدرس شاب آخر تحدث عن مشكلة الجمع بين الأقسام بحيث يتم تدريس عدد من الصفوف في حجرة واحدة. وأوضح أنه للأسف معالجة المشكلة "تستدعي تعيين العديد من الأساتذة. هذه المشكلة ملخصها نقص البنيات الأساسية والموارد البشرية".ويجد العديد من الشباب أنفسهم في القرى لأن وزارة التعليم تبني المزيد من المدارس هناك أكثر مما فعلت في الماضي.
وفي هذه السنة، شيدت الوزراة 439 مدرسة و120 ثانوية في القرى. وفي التعليم الابتدائي، تشكل المناطق القروية الآن قرابة 200 ألف من أصل 3.9 مليون تلميذ. الإعداديات تضم نحو 300 ألف تلميذ في القرى. ونحو 53 ألف من أصل 650 ألف من الثانويات توجد في المناطق القروية. الكتاوي وزملاؤه المعلمون يأملون مثله في تطوير البنيات الأساسية للقرى لتسهيل حياتهم اليومية. أولا بناء إقامات المدرسين ومنشآت السكن للتلاميذ سيسُهل مهمة المدرسين حسب أحلام. وفي غضون ذلك اقترح سرحان تعيين طاقم من المعلمين من نفس المنطقة كالتلاميذ لتسهيل التواصل.
جمال خلاف مدير التعليم وتنظيم الحياة المدرسية والتدريب الأكاديمي قال إن الوزارة عازمة على تحسين جودة التعليم في المناطق القروية بإطلاق عدد من البرامج خاصة معالجة مياه المجاري والماء الشروب لنحو 12 ألف مدرسة قروية. ولتسهيل النقل العام للمدارس تعمل الوزارة على توزيع حافلات المدارس على المناطق النائية. وهناك حاجة لموارد مهمة لتوسيع نطاق هذه المبادرات لكافة المناطق القروية.
من موقع مغاربية.