الصلاة.. دعاء الحب ومدرسة تنشئة الجيل
يتجلى أول مظاهر جمال الصلاة في اسمها، فكلمة "الصلاة" مشتقة من صلة (وصل) ودلالتها الارتباط والاتصال بين العبد والرب. قال الإمام علي بن موسى الرضا (عمر بن الخطاب رضي الله عنه): "صلة الله للعبيد بالرحمة وطلب الوصال إلى الله من العبد إذا كان يدخل بالنية ويكبر بالتعظيم والإجلال".
فبالتفكير في هذه الكلمة وتحليل الارتباط المباشر بين عبد في منتهى ضآلة الشأن ورب في قمة العظمة اللا متناهية، الفذة المتعذرة الوصف بعيداعن العراقيل والحواجز والوسائط يلتمس العقل وجود حالة حب متبادلة وفي غاية الروعة، تمنح الهدوء للعبد وتروي وتبثه الأمل فهي (الصلاة) كما وصفها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قرة العين والرغبة المنشودة بالنسبة للعبد بفارق أن الجائع أو الضمآن يتغلب على جوعه أو عطشه بتناول الطعام أو الماء خلافا للباحث في الصلاة عن الفلاح، فحاجته إليها متواصلة لا تلبى تماما قط واللهفة لإقامتها قائمة لا تخفت أبدا.
إن الإنسان إن وقف يصلي لربه بتركيز تام يتنزه من سيئاته وكأنه يوم ولدته أمه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار عذب على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات فما يبقى ذلك من الدنس"، شرط أن تستتبع هذا الدعاء أو ذكر الحبيب والخالق الرؤوف التزام الإنسان بأوامره والكف عن نواهيه لتفادي سخط الحبيب. وبهذا الالتزام المتواصل بأوامره ونواهية ينساب الإنسان في مجرى التربية الالهية والتكامل حتى تغدو درجة الفاعلية الرادعة للصلاة إزاء ارتكاب المعاصي والخروج عن طاعة الله مقياسا لتقييم درجة قبول الصلاة من قبل الله تعالى. ولمن يرغب في الاصطلاح على درجة حظوة صلاته بالقبول أن يتأمل في دور صلاته في صده عن الآثام والخطايا. يروى أن شابا من الأنصار كان يواظب باستمرار على أداء صلاته مع النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا أنه لا يرتدع عن المعصية أحيانا فاطلع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أمره ولكنه أكد أن صلاته سوف تنهاه في نهاية الماف عن ارتكاب المعاصي ولم يمض أمدا طويلا حتى تاب ذلك الشاب إلى الله توبه لم يعد بعدها لمثل ما كان عليه.
ومن الممارسات المتواصلة الرامية للتدرب على بناء الذات والتزام النظام وإشاعة روح التعاون وعرض التضامن الإسلامي وكذلك على التسامي المعنوي التدريجي والمرحلي هي إقامة الصلاة ولا سيما في مستهل موعدها واحترام هذه الفريضة وترك كي شيء جانبا ولو لدقائق بهدف إقامتها مع جماعة المؤمنين وادائها بنظام خاص. ومما يزيد ايجابية دور هذه الممارسة المتواصلة رعاية آداب مستحبات الوضوء الصلاة وقضاء ولو دقائق من الوقت في قراءة تعقيبات الصلاة بين دعاء وتضرع فما يبذل خلالها من تركيز متميز يفسح للنفس والقلب الفرصة للتنعم بقدر من الايحاءات والنعم الالية المتأتية من الصلاة. إن شعور المصلي بالخشوع أمام الله هو بح ذاته دواء شافي وفي غاية التأثير لتفادي الكبر والأثرة والعجب وهي من أعراض مرض أخلاقي جسيم يلقي الإنسان في وادي الانحطاط ويحرمه نعمة رضاالله. فالصلاة تكبح هذه الحالة. إذ يقول أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب رضي الله عنه): "والصلاة تنزيهاعن الكبر".
وأخيرا فإن الصلاة لابد أن تمثل مظهر من مظاهر طاعة الله والإعراب عن الانصياع التام للقدير المظلق. فهذا التصريح بالعبودية والتسليم يعتبر خطوة راسخة على سبيل التربية الأخلاقية للإنسان في مسيرته نحو الكمال.